أبو محمد مولى بني والبة، أصله من الكوفة، نزل مكة، تابعي، عده الشيخ من
أصحاب الإمام السجاد (عليه السلام)، وهو من أعلام المجاهدين والمناضلين عن
الإسلام، والمدافعين عن حقوق الضعفاء والمحرومين، ونعرض بإيجاز لبعض شؤونه:
*******
مكانته العلمية
كان
سعيد من أبرز علماء عصره، وكان يسمى جهبذ العلماء... وما على الأرض إلا
وهو محتاج إلى علمه قال ابن كثير: كان سعيد من أئمة الإسلام في التفسير
والفقه، وأنواع العلوم، وكثرة العمل الصالح.
*******
تقواه وصلاحه
كان
سعيد في طليعة المتقين في عصره، وكان ملازماً لتلاوة القرآن الكريم، وكان
يجلس في الكعبة المكرمة، ويتلو القرآن فلا ينصرف حتى يختمه وكان كثير
الخشية من الله، وكان يقول: إن أفضل الخشية أن تخشى الله خشية تحول بينك وبين معصيته، وتحملك على طاعته، فتلك هي الخشية النافعة.
*******
خروجه مع ابن الأشعث
ولما
خرج عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث على حكومة الحجاج رأى سعيد وجماعة من
القراء أن واجبهم الشرعي يقضي بتأييد ابن الأشعث والخروج معه للإطاحة بحكم
الطاغية المجرم الحجاج بن يوسف الثقفي الذي لم يبق حرمة لله إلا انتهكها
ولا جريمة إلا اقترفها، وقد مادت الأرض من جوره وظلمه، وفساده، ولما فشلت
ثورة ابن الأشعث هرب سعيد إلى أصبهان، وكان يتردد في كل سنة إلى مكة مرتين:
مرة للعمرة، ومرة للحج، وربما دخل الكوفة متخفياً في بعض الأحيان وكان
يلتقي بالناس، ويحدثهم بشؤونهم الدينية والعلمية.
*******
شهادته
وألقت
شرطة الحجاج وجلاوزته القبض على سعيد بن جبير الذي كان من عمالقة الفكر
والعلم في الإسلام، وجيء به مخفوراً إلى الطاغية المجرم الحجاج بن يوسف،
فلما مثل عنده صاح به: (أنت شقي بن كسير؟...).
فأجابه بمنطق الحق قائلاً: (أمي كانت أعرف باسمي، سمتني سعيد بن جبير...).
وأراد الطاغية أن يتخذ وسيلة رسمية لإهراق دمه فقال له: (ما تقول في أبي بكر وعمر، هما في الجنة أو في النار؟..).
فرد عليه سعيد بمنطقه الفياض قائلاً: (لو دخلت الجنة فنظرت إلى أهلها لعلمت من فيها، وإن دخلت النار ورأيت أهلها لعلمت من فيها..).
ولم يجد الطاغي منفذاً يلك فيه، فراح يقول له: (ما قولك في الخلفاء؟...).
فأجابه جواب العالم الخبير: (لست عليهم بوكيل...).
فقال الخبيث المجرم: (أيهم أحب إليك...).
وقد
أراد بذلك أن يستدرجه لعله أن يذكر الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)
بخير فيتخذ من ذلك سبباً إلى التنكيل به، ولم يخف على سعيد ذلك فقال له:
(أرضاهم لخالقه...).
فقال: (أيهم أرضى للخالق؟..).
قال: (علم ذلك عند الذي يعلم سرهم ونجواهم).
فقال: (أبيت أن تصدقني).
قال: (لم أحب أن أكذبك...).
وأمر
الطاغية جلاديه بضرب عنقه، فضربوا عنقه، فسقط رأسه إلى الأرض، فهلل ثلاثاً
أفصح بالأولى، ولم يفصح بالثانية والثالثة وانتهت بذلك حياة هذا العالم
العظيم الذي وهب حياته لنشر العلم والفضيلة بين الناس، وقد فجع المسلمون
بقتله لأنهم فقدوا الرائد لحياتهم العلمية، ونقل عمرو بن ميمون عن أبيه أنه
لما سمع بمقتل سعيد اندفع قائلاً بحزن:
(لقد مات سعيد بن جبير، وما على ظهر الأرض إلا وهو محتاج إلى علمه...).
وكانت شهادته في شهر شعبان سنة (95هـ) وهو ابن (49 سنة) وقد فزع الحجاج من قتله فكان يراه في منامه وهو يأخذ بمجامع ثوبه، ويقول له: يا عدو الله فيم قتلتني؟
وقد ندم الطاغية المجرم على قتله له فكان يقول: مالي ولسعيد بن جبير وقبله ندم معاوية بن هند على قتل حجر بن عدي الصحابي العظيم.
*******