الحمد لله على جميل صنعه وحسن تدبيره لشؤون عباده والصلاة والسلام على مجاري لطفه ورحمته محمد المصطفى وآله الطيبين الطاهرين.
السلام
عليكم ورحمة الله وبركاته اعزاءنا المستمعين واهلاً بكم في حلقة اخرى وهي
الخامسة والخمسون من حلقات هذا البرنامج نأمل ان يكون ما فيها نافعاً لنا
ولكم، والان مع الفقرة الاولى وهي في اهل البرزخ انصار للمهدي.
مستمعينا
الافاضل، روى الشيخ الكليني في كتاب الكافي في سنده عن مولانا الامام
الصادق عليه السلام حديثاً طويلاً وجامعاً في صفة قبض روح المؤمن وطبيعة
حياته في عالم البرزخ، نقلنا قسماً منه في حلقة سابقة وفيه مقطع يتناول
احدى الظواهر المهمة التي يشهدها عالم البرزخ، ولكن الاحاديث الشريفة
الدارة على هذه الظاهرة كثيرة بلغت في اصل مضمونها العام حد التواتر تضاف
اليها طائفة من الآيات الكريمة المشيرة الى هذه الظاهرة وقد جمعها المحدث
خبير الحر العاملي رضوان الله تعالى عليه في كتابه الجامع الايقاض من
الهجعة في اثبات الرجعة، ومن عنوان هذا الكتاب يتضح ان الظاهرة التي نتحدث
عنها هي ظاهرة الرجعة والتي تعني عودة بعض الناس من عالم البرزخ الى عالم
الدنيا عند ظهور مولانا المهدي المنتظر(عج) وهذا ما يحدثنا عنه سيدنا الامام الصادق عليه السلام في الحديث المشار اليه، قال عليه السلام في آخر حديثه: عن
الحياة البرزخية للمؤمن ثم يزور آل محمد صلى الله عليه وآله في جنان رضوا
فيأكل معهم من طعامهم ويشرب معهم من شرابهم ويتحدث معهم في مجالسهم حتى
يقوم قائمنا اهل البيت فاذا قام قائمنا بعثهم الله فاقبلوا معه يلبون زمراً
زمراً.
ثم قال: سلام الله عليه فعند ذلك يرتاب المبطلون ويضمحل المحلون وقليل ما يكونون هلكت المحاضير ونجى المقربين.
حضرات
المستمعين الافاضل، اللطيف بجميل الصنع والتدبير الالهي في هذا الباب ان
الرجعة من عالم البرزخ الى عالم الدنيا عند ظهور المهدي هي بالنسبة
للمؤمنين قرار طوعي اختياري يتخذه المؤمن بنفسه وهذه من مظاهر تكريم الله
عز وجل لعباده المؤمنين، اجل فقد روى الحر العاملي رضوان الله تعالى عليه
في كتابه المذكور عدة احاديث تصرح بانه اذا ظهر مولانا المهدي عجل الله
فرجه الشريف خير المؤمن بين ان يرجع الله روحه الى بدنه ويعيده الى الحياة
الدنيا لكي يفوز بشرف نصرة قائم آل محمد صلى الله عليه وآله، وبين ان يبقى
في كرامة الله وجنان البرزخ الى يوم الحشر الاكبر، ولعل من اسرار هذا
التخيير هو ان الرجعة تقترن بتحمل مشاق الجهاد مع مهدي اهل البيت عليهم
السلام حتى اقامة دولتهم العادلة في كل الارض ولكن تحمل هذه المشاق هو من
التوفيقات الالهية الكبرى للمؤمنين ومن الفرص الكريمة التي تفتح امام
المؤمنين آفاق بلوغ مراتب من الكمال والقرب الالهي لا تقاس بها جميع اشكال
النعيم في الجنات البرزخية، اذاً حرياً بنا ان ندعو الله تبارك وتعالى لنا
ولمستمعينا الاعزاء بتوفيق نصرة مولانا المهدي عجل الله تعالى فرجه ان
ادركنا ظهوره وبالرجعة للفوز بهذا الشرف ان حال الموت بيننا وبين ذلك، وقد
حففنا كثير من ادعية اهل البيت واحاديثهم عليهم السلام على ان نطلب من الله
عز وجل ذلك وعرفنا بالاعمال التي من ثمارها الفوز بالرجعة لنصرة الدولة
الالهية الكبرى في آخر الزمان ومن هذه الاعمال الالتزام على مدى اربعين
صباحاً بدعاء العهد المعروف فقد جاء في مقدمة الدعاء عن مولانا الامام
الصادق عليه السلام انه قال: من دعا بهذا الدعاء اربعين صباحاً كان من انصار القائم وان مات قبل ظهوره عليه السلام احياه الله تعالى حتى يجاهد معه.
*******
مستمعينا
الاعزاء بقي امامنا سؤال فيما يرتبط بهذا الموضوع وهو من الذين تشمل
الرجعة وهل يقتصر الامر على المؤمنين، الاجابة عن ذلك اعزاءنا المستمعين
نوكلها الى ما بعد هذا الاتصال الهاتفي الذي اجراه زميلنا مع سماحة الشيخ
محمد السند الذي اجاب عن سؤال لاحد المستمعين بشأن الرجعة ايضاً فلنستمع
معاً:
المحاور: سماحة الشيخ وصلت البرنامج
رسالة من الاخ جواد حمادة عبر البريد الالكتروني حيث اشتملت على اكثر من
سؤال، احد الاسئلة يقول هل الرجعة ثابتة وما هو المراد منها تفضلوا؟
الشيخ محمد السند:
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على افضل الانبياء والمرسلين محمد
وآل بيته الطيبين الطاهرين، فان عقيدة الرجعة عقيدة في مدرسة أهل البيت
اصيلة متأصلة الآيات القرآنية الكريمة ومن الروايات المتواترة عن أهل بيت
العصمة عليهم السلام، حتى ان المرحوم العلامة المجلسي صاحب البحار وصف
العقيدة والاعتقاد بالرجعة في مدرسة اهل البيت بانها ضرورة في هذه المدرسة
وفي مذهب اهل البيت، والسيد عبد الله الجزائري عنده كتاب اللفظ الخاص
بالرجعة وغيره من العلماء، ان روايات الرجعة قد تصل الى ستمائة ونيف وربما
هذا فريد من نوعه في الامور العقائدية ان تجتمع الروايات بمثل هذا العدد
المتكاثر لا نشاهد في كل زيارة ودعاء وارد مأثور عن اهل البيت عليهم السلام
الا وفيه اشارة الى الرجعة بالفاظ متنوعة ومتعددة واشارات كثيرة، هذا امر
بات واضح بحسب الآيات القرآنية والروايات الكثيرة الواردة.
المحاور: طيب سماحة الشيخ الشطر الثاني من السؤال يقول ما هو المراد من الرجعة؟
الشيخ محمد السند:
في الحقيقة الرجعة طبعاً من باب تأميم الشق الاول من السؤال لا بأس اذكر
هذا المطلب وهو انه اربعة من علماءنا متأخرين من حكماء الامامية الاثني
عشرية كالعلامة الطباطبائي والمرحوم الشيخ محمد الشاه آبادي الذي هو استاد
زعيم الثورة الاسلامية في ايران الامام الخميني رحمة الله عليه والحكيم
السيد ابو الحسن رفيعي وهو ايضاً استاد زعيم الثورة الاسلامية في ايران
الراحل الامام الخميني قدس سره الشريف وآخر بعد من علماء الامامية متأخرين
قد ذهبوا الى ان الادلة العقلية متوافرة على اثبات الرجعة وكتبوا في ذلك
رسائل قيمة وبينة وقد افاض في ذلك العلامة الطباطبائي في كتاب الميزان في
بيان ضرورة الرجعة وبيان الرجعة بادلة عقلية متينة لطيفة، هذا من باب تأميم
البحث السابق وانه لا تقتصر على ادلة عقلية كما كان يعهد سابقاً.
المحاور:
باعتبار ان الادلة النقلية كتب عنها ولكن الادلة العقلية لم يذكر حبذا لو
تبينوا لنا وللمستمعين الاكارم ملخص الدليل العقلي يعني كيف يستدل عقلياً
على قضية غيبية تعني الانتقال من عالم الى آخر؟
الشيخ محمد السند:
في الحقيقة استطيع ان اقول تأريخ مسألة الرجعة قديماً ما كان تنبه والتفت
الى وجود الادلة العقلية والبراهين العقلية عليها، كما هو الحال في المعاد
الجسماني كان يثبت ربما بالادلة النقلية فقط والبراهين النقلية او العقلية
الممتزجة بالبراهين النقلية ولكن بعد قرون من سنين التفت الحكيم الملا صدرا
رحمة الله عليه الى اشارات في روايات اهل البيت عليهم السلام وفي الآيات
تدلل على البرهان العقلي على المعاد الجسماني، الحال في عقيدة الرجعة في
الحقيقة على هذا المنوال فانه هناك جملة من الاشارات في الآيات الكريمة وفي
الروايات ليست فقط هي تشير الى عقيدة الرجعة بل تبين المعطيات والمقدمات
العقلية ربما تكون خفية نعم ولكن اذا تبصر والتفت اليها يتنبأ الانسان
بالتالي ضرورة الرجعة، ومن تلك الادلة التي ساقوها هؤلاء الحكماء من علماء
الامامية، في الحقيقة ان الانسان بالموت لا يصل الى منتهى كماله الذي ستكون
طينته البدنية او الروحية قابلة لان تصل اليه فكثيراً ما نشاهد مثلاً
الموت الاخترامي وكثيراً ما نشاهد معوقات البيئة معوقات الحالة الاجتماعية
والحالة السياسية معوقات الحالة الاسرية، على اية حال اقدار كثيرة مما تكون
معوقة لاحد الافراد او لجملة من الافراد من البشر او ربما تكون مفتوحة في
مساحات واسعة لافراد اخر فبالتالي كل طبيعة بشرية ليس من الحتمي ان تشاهد
انها قد وصلت الى الكمال الممكن المنشود فبالتالي بطبيعة التزاوج الجوهري
والتكويني بين الروح والبدن هذه العلقة بين الروح والبدن في الواقع لا تكاد
تكون انفصال تام كما يتخيل عن الموت انفصال العلقة بشكل جذري وبشكل بائن
وابدي بين الروح والبدن في الحقيقة الان تشهد الكثير حتى من التجارب عند
علماء الاثير فضلاً عما تشير اليه الآيات والروايات ان الروح تبقى لها كفيل
علقة في البدن ولو بالطينة الاصلية للبدن.
*******
ما
تستمعون له احباءنا هو برنامج (عوالم ومنازل) في حلقته الخامسة والخمسين
واغلب ما نتناوله فيها هو موضوع الرجعة وهي احدى الظواهر المهمة التي
يشهدها عالم البرزخ، وقد عرفنا آنفاً بان الاحاديث الشريفة تصرح بان
المؤمنين يخيرون بين البقاء في روضات الجنان البرزخية وبين العودة الى
الحياة الدنيا للفوز بكرامة الجهاد مع مولانا المهدي عجل الله تعالى فرجه
الشريف عند ظهوره والاستشهاد بين يديه او بكرامة العيش في ظل دولة اهل
البيت عليهم السلام الالهية، فهل هذا التخيير يشمل غيرهم ام ان الرجعة تكون
اجبارية لبعضهم الاجابة عن هذا السؤال تأتيكم اعزاءنا في الفقرة التالية
وعنوانها هو الجرعة واللطف والعدل الالهي.
تصرح الاحاديث الشريفة ايها
الاخوة والاخوات بان الرجعة تشمل من محض الايمان محضاً ومن محض الكفر
محضاً، والمقصود هنا هم الذي بلغوا المراتب العالية في كلا الاتجاهين اي
الذين ملأ الايمان وجودهم والذين استحوذ الكفر عليهم، فالمؤمنون يرجعون الى
عالم الدنيا لكي يبلغوا من مراتب الكمال والقرب الالهي ما لم يتيسر لهم في
حياتهم الاولى بسبب حاكمية ائمة الظلال والجور والشرك فيمنحهم الله عز وجل
بفضله فرصة استكمال تلك المراتب في دولة اهل البيت عليهم السلام بعد ان
اظهروا في حياتهم الاولى في عالم الدنيا اختيارهم الصادق بطريق التقرب من
الله جل جلاله، من هنا تكون الرجعة الى الدنيا اختيارية طوعية تعبر عن
رغبتهم وتلبي طموحهم الخير ولكن الامر يختلف بالنسبة لمن محض الكفر محضاً
فالرجعة بالنسبة لهم اجبارية يقتضيها العدل الالهي اما كيف تابعوا اعزاءنا
المستمعين للحصول على الاجابة، عندما نراجع القرآن الكريم مستمعين الاعزاء
نجد فيه تصريحات بان الله عز وجل قد حكم بعدله على بعض فئات المجرمين بان
يصيبهم جزاءاً وفاقاً على جرائمهم خزياً وعذاباًَ في الدنيا وعذاباً شديداً
في الآخرة وعندما نرجع الى وقائع التأريخ الانساني نجد ان كثير من هؤلاء
لم يصبهم ذلك ولم يطلهم القصاص العادل في الدنيا على كثير من جرائمهم،
وهؤلاء هم الذين يرجعون لكي يتحقق فيهم العدل الالهي وينال قصاصهم في
الحياة الدنيا متناسباً مع ما ارتكبوه فيها وقد ذكرت الاحاديث الشريفة
نماذج لهؤلاء من قبيل رجعة الذين شاركوا في قتل بعض الانبياء عليهم السلام
وقتلة الاولياء والمشاركين في نصرة يزيد في قتل سيد الشهداء عليه السلام
وصحبه وغيرهم، وما ذكرته هو نماذج تطبيقية لهذا الحكم الالهي العام، شكراً
لكم اعزاءنا على جميل متابعتكم لهذه الحلقة من برنامج عوالم ومنازل وشكراً
لكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******