الأزدي، بغدادي الأصل والمقام، من أشهر علماء هذه الطائفة ومن عيون
رواتها، وقد أجمع الأصحاب على تصحيح ما يصح عنه وعلى عد مراسيله مسانيد؛
عاصر الإمام الكاظم، والرضا، والجواد (عليهم السلام).
*******
علمه
كان
من عيون العلماء، ومن كبار الفقهاء، وقد أجمعت الأكثرية على الإقرار له
بالفقه والعلم، وقد لازم ثلاثة من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وأُشبع من
نمير علومهم وقد زود الفقه الإسلامي بالشيء الكثير من أحاديثه التي سمعها
من الأئمة الميامين، ومراسيله بمنزلة الصحاح عند الفقهاء، وفي هذا دليل على
سمو مكانته العلمية.
*******
مؤلفاته
ألف من الكتب أربعاً وتسعين كتاباً منها:
كتاب
المغازي، وكتاب الكفر والإيمان، وكتاب البداء، وكتاب الاحتجاج في الإمامة،
وكتاب الحج، وكتاب فضائل الحج، وكتاب المتعة، وكتاب الاستطاعة، وكتاب
الملاحم، وكتاب يوم وليلة، وكتاب مناسك الحج، وكتاب الصيام، وكتاب اختلاف
الحديث، وكتاب المعارف، وكتاب الطلاق، وكتاب الرضاع.
ولكن من المؤسف أن
هذه المؤلفات قد تلفت، والسبب في ذلك كما رووا أنه تركها في غرفة فسال
عليها المطر فأتلفها، وقيل أن أخته دفنت كتبه أثناء حبسه فضاعت، وضاع بذلك
علم هذا العالم الكبير.
*******
عبادته
كان
محمد من عيون المتقين الصالحين، فقد تربّى في بيت الإمامة، وسار على خطّ
أهل البيت (عليهم السلام) من رفض الدنيا المادية، وعدم الاهتمام بملذاتها
وشهواتها، ويكفي للتدليل على مدى عبادته ما رواه الفضل بن شاذان قال: دخلت
العراق فرايت شخصاً يعاتب صاحبه ويقول له:
أنت رجل ذو عيال، وتحتاج أن
تكسب لهم، وما آمن عليك أن تذهب عيناك لطول سجودك، وأكثر عليه التوبيخ
والتقريع، فالتفت إليه وقال له: (لو ذهبت عين أحد من السجود، لذهبت عين ابن
أبي عمير ما ظنك برجل سجد سجدة الشكر بعد صلاة الفجر فما رفع رأسه إلا عند
زوال الشمس.
وقد عظمه وبجله جمع من المشايخ، ولا ريب أن تعظيم أولئك الأتقياء الصالحين له وإكبارهم لمنزلته ممّا يدل على سمو مكانته وعلو شأنه.
*******
مع هارون والسجون
كان
محمد بن أبي عمير من الشخصيات البارزة في العالم الشيعي نظراً لاتصاله
الوثيق بأئمة أهل البيت (عليهم السلام) وفي الوقت نفسه كان عنده السجل
العام الذي يتضمن أسماء الشيعة، ولقد ضاق على هارون ذلك، فأمر أن يلقى في
ظلمات السجون، فبقي فيها سبعة عشر عاماً. ثم جيء به إلي الطّاغية هارون وهو
مكبل بالقيود، فطلب إليه أن يعرفه بأسماء الشيعة الذين يحتفظ بأسمائهم،
فامتنع وأبى، فأمر الظالم أن يضرب هذا المؤمن التّقيُّ مائة سوط، فضرب،
وبلغ به الألم الشديد مبلغاً عظيمًا.
يقول: كدت أن أسمي إلا أني سمعت نداء يونس بن عبد الرحمن يقول لي:
(يا محمد بن أبي عــمير، اذكر موقـــفك بين يدي الله، فتقـــويت بـــقوله وصبـــرت على الألم ولم أخبر، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).
من
هذه الحادثة وأمثالها نقف على مدى الظلم والجور والضغط الهائل الذي واجهته
الشيعة في تلك الأدوار المظلمة من الحكام العباسيين الذين كان جل همهم
السلطة والمال والدنيا والملذات.
*******
وفاته
انتقل
إلى دار الخلود سنة 217هـ فهنيئاً له على صلابة عودة وقوة عقيدته، وتمسكه
بحبل أهل البيت الذي ما تمسك به أحد إلا نجا من الضلال، وكسب رضى الله جلّ
وعلا.
*******