نبي الله أيوب عليه السلام
أيوب عليه السلام نبي من أنبياء الله تعالى ، قصّ الله عز و جل قصته علينا في القرآن الكريم فقال : ) وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ( ([1])، و قال سبحانه وتعالى : ) وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ * ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ * وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (([2]).
قال ابن كثير ([3])- رحمه الله - : (( يذكر تعالى عبده ورسوله أيوب عليه السلام ، وما كان ابتلاه تعالى به من الضر في جسده وماله وولده ، حتى لم يبق من جسده مَغْرز إبرة سليما سوى قلبه ، ولم يبق له من حال الدنيا شيء يستعين به على مرضه وما هو فيه . غير أن زوجته حفظت ودَّه لإيمانها بالله ورسوله ، فكانت تخدم الناس بالأجرة ، وتطعمه وتخدمه نحوا من ثماني عشرة سنة. وقد كان قبل ذلك في مال جزيل وأولاد وسعة طائلة من الدنيا فَسُلبَ جميع ذلك حتى آل به الحال إلى أن ألقي على مزبلة من مزابل البلدة هذه المدة بكمالها ورفضه القريب والبعيد سوى زوجته رضي الله عنها ، فإنها كانت لا تفارقه صباحا و لا مساء إلا بسبب خدمة الناس ثم تعود إليه قريبًا . فلما طال المطال واشتد الحال وانتهى القدر المقدور وتم الأجل المقدر تضرع إلى رب العالمين وإله المرسلين فقال: { أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ } ، وفي هذه الآية الكريمة قال: رب إني مسني الشيطان بنصب وعذاب، قيل: بنصب في بدني وعذاب في مالي وولدي . فعند ذلك استجاب له أرحم الراحمين وأمره أن يقوم من مقامه وأن يركض الأرض برجله. ففعل فأنبع الله عينا وأمره أن يغتسل منها فأذهب جميع ما كان في بدنه من الأذى ، ثم أمره فضرب الأرض في مكان آخر فأنبع له عينا أخرى وأمره أن يشرب منها فأذهبت ما كان في باطنه من السوء وتكاملت العافية ظاهرا وباطنا ولهذا قال تعالى: { ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ }.
يستفاد من قصة نبي الله أيوب عليه السلام :
1- أن الدعاء يفرج الله عز و جل به الضيق و يشفي به المريض .
2- أن أشد الناس ابتلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ، و في الحديث : (( إِنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ بَلَاءً الْأَنْبِيَاءَ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ))([4]).
3- أن المرض من الله سبحانه وتعالى والصحة أيضا منه فكل شيء بيده عز وجل .
4- الرضا بقضاء الله و قدره ، فلا يسخط المسلم إذا ابتلاه الله بمرض ، و إنما يرضى و يدعو الله عز و جل أن يرفع عنه البلاء .
5- في قصته u إشارة إلى أن أفضل قدوة هم الأنبياء فقد قال الله عز و جل : (( أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ ))([5]) .
6- أن الإيمان بالله يدفع على الصبر ، لعلم العبد أن كل شيء من عند الله .
7- أن المؤمنين الموحدين إذا نزل بهم البلاء و المرض توجهوا لله عز و جل ، و لم يتوجهوا إلى القبور و الدجالين .
8- أن الزوجة الصالحة كالصديق الصالح تجدها في وقت الشدة كما كانت فيوقت الرخاء ، و قد قيل : يُعرف الصديق وقت الضيق .
9- أن الله عز و جل يبتلي الخلق جميعا ، فمن صبر ورضي كان له الرضا ، و من سخط و غضب ، غضب الله عليه و حسابه بين يديه .
10- أن التعرف على قصص الأنبياء تزيد الإيمان عند العبد ، وتطلعه على الأمور التي مر بها الأنبياء و الصالحون ، ليعرف مدى صبرهم وحسن عملهم عند الله عز و جل ولذلك اصطفاهم من بين الخلق .
([1]) [الأنبياء/83، 84] .
([2]) [ص/44:41] .
([3]) تفسير القرآن العظيم لابن كثير ، سورة ص ، الآيات من (1 :44).
([4]) رواه أحمد وصححه الألباني .
([5]) [الأنعام/90] .